(ليلى) فتاة فقيرة هادئة , مشاعرها بسيطة , كانت تعيش المشاكل مع الجميع منذ طفولتها فلم ترتح يوما أو تنم جيدا تفكر كثيرا في معاناتها وفقرها ومشاكلها مع والديها , تتساءل دائما متى ومتى تتبسم لي الحياة فلم أعد أطيق فقري ومعيشتي .
وكأن القدر أستجاب لها دعوتها حيث تقدم لخطبتها شابا يعمل مدرسا , وبعد أن تزوجت به راحت تندب حظها النحس الذي جمعها بشابا مغرورا جدا وعنيد , يفتعل مشاكل معها يعايرها دائما بجهلها لأنها لم تكمل دراستها , ويصفها بأنها فتاة ساذجة بلا فائدة ولاتهم المجتمع أو تأثر فيه بشيء , كما يفعل هو .
(ليلى) كانت تستقبل كلام زوجها كمن يدق مسامير في قلبا حي لم يمت , تشعر بألم لن يحس به حتى من جرب ذلك من قبل , ولكنها لاتقدر على فعل شيء ولاتعرف لمن تشتكي فأسرتها لم تصدق على التخلص منها , كانت كالمستجير من الرمضاء بالنار ففضلت الصمت ولغته التي لايفهمها ألا العظماء , لكنها ظلت مجروحة من الداخل وتبكي بلا دموع , فزوجها تعدى الحماقة حدا وراح يستهزء بها وبفقرها وحاجتها إليه ويسخر منها أمام أصدقاءه حين تكون جالسة معهم .
شاءت الأقدار التي لايعرف أحدا ماذا تخبئ له في الغد بأن ينتقل زوجها معها ليقوم بالتدريس في أحدى القرى البعيدة النائية التي عرف عن أهلها تعصبهم الشديد وكثرة مشاكلهم وقيمهم وعاداتهم المتطرفة حتى الشرطة لاتتدخل في أمورهم لشدة عنفوانهم فهم يطبقون القوانين بأيديهم .
زوجها كان المدرس الوحيد في هذه القرية الصغيرة كثرت مشاكله مع الطلاب وأولياء أمورهم لعناده وغروره وتعاليه حتى في أحد الأيام أعتدى على طالب بالضرب , وكأنه بذلك وقع وثيقة وفاته بيديه وتجرأ على فعل مايعتبر مقدسا في هذه القرية أن تضرب أحدهم , مما أغضب أهل القرية وجعلهم يجتمعون ويتهجمون عليه في المدرسة ويأخذونه إلى محلا منعزل ويضربونه ويعذبونه بأبشع الأساليب القذرة , ذاك يرميه بحجر وآخر يضربه بعصا وثالث يجرحه بسكين , فعلوا به أشياء لن يفعله أحدا في حيوانا ربي لذبحه حتى سقط مغشيا عليه وتركوه .
لم تكن (ليلى) تعرف بالذي جرى إذ مر يوم ولم يأتي زوجها مما حيرها وأشغل تفكيرها الذي لم يهنء يوما , لاتعرف ماذا تفعل ولمن تذهب فهي على دراية بسوء أهل القرية وكانت تخشى الخروج من منزلها , لحظات أنشغالها وخوفها تلك سمعت دق الجرس , فزعت أكثر فليس من عادة الزوج أن يدق الباب توجست خيفه لدقائق فتحت على أثرها , إذ به رجلا من أهل القرية بدى جليا على ملامحه الجود والشهامة فأخبرها بمكان زوجها وماحدث له وقبل أن يغادر قال لها : إذا كنت تريدني نصيحتي خذي زوجك وأرحلي من هنا , لامكان لكم في القرية فلن يدعوكم بسلام , سمعت (ليلى) صوت العقل والمنطق ونصيحة الرجل ذهبت بسرعة لتتدارك حالة زوجها وغادرت القرية معه وهو يعيش رمقه الأخير .
وصلت إلى المدينة أدخل الزوج إلى المستشفى وهي تقدمت بالشكوى للشرطة التي رفضت شكواها بحجة أن لادليل لديها ومايثبت صحة أقولها , ألتزمت (ليلى) الصمت كعادتها فهي وحيدة بلا سند , خرج زوجها من المستشفى بعد أن شفي ولكن ماذا! حالته النفسية سيئة جدا لايتكلم لايأكل لاينظر يمينا أو شمالا لايفعل شيء وكأن تأثير المخدر لم يزل من جسده .
مرت أربعة أشهر و(ليلى) تعاني الأمرين فقرا مدقع وزوجا مريض فلم تتحسن حالته بل أزدادت سواء لايخرج من المنزل بلا عمل أو مال وكأن لعنة ما أصابته هو الآخر وقلبت حياته رأسا على عقب , فقط كان ينظر إليها بين الفينة والأخرى ويردد : لقد دمروني هناك ياأمرأة , لقد دمروني هناك ياأمرأة .
الأيام تمر على (ليلى) وهي تعيش وسط الجحيم بل أسوء منه لأنها لاتعرف أحدا يساعدها أو على الأقل يعطيها مالا لتشتري لنفسها وزوجها طعام لتأكل , وكأن الحياة تصفعها بيمينها وشمالها دون سبب وعلى لسان حالها تقول : (قل لي أيها الشاكي لمن المشتكى ومن عنده المشتكى)! وبعد أن تقطعت بها السبل وأغلقت جميع الأبواب التي لم تفتح لها أصلا , ذهبت إلى الشرطة مرة أخرى عل وعسى تسترد حق زوجها الذي أنتهك , قال لها المحقق في المكتب : سأخبرك بالحقيقة , لدينا تعليمات عليا بألا نتدخل في أمور هذه القرية لذلك رفضت قضية زوجك , قالت له : إذا ما الحل , تدمرت حياة زوجي وأصبح كالميت الحي , لن أجلس مكتوفة الأيدي وأشاهده هكذا , يجب أن يعرف أحدا بالذي جرى , قال لها : صدقيني لن تستطيعين فعل شيء , فأنا المطلع على هذه الأمور , عودي إلى بيتك وأنسي ذلك .
همت (ليلى) بالخروج بخطوات متعثرة مثقلة بالهموم والأحزان التي تكالبت عليها إلى أن وصلت حتى الباب وتوقفت , راحت تبكي وتبكي بهدوء شديد وشريط حياتها يمر أمام عينيها بكل قسوته أرادت أن تصرخ بقوة ألا أنها لم تفعل , أثار ذلك تعاطف المحقق معها فسمعها تهمس بكلمات هزت وجدانه قائلة : فليشفق علي أحد .
تحامل على نفسه وسألها في خجل : هل تحتاجين للمال سأعطيك , هل ضايقك أحد سأزج به في السجن , لكنني لاأستطيع أن أفعل شيئا لزوجك , غير ذلك لك ماتريدين ؟
ظلت (ليلى) على سمفوانية بكاءها وتأثرها تعاتب زمانها وعائلتها وزوجها والعالم أجمع لم فعلوه بها , في لحظات سكونها الأليمة تلك أستدارت عليه وكأنها تعزف ألحانا وأوتارا تجعل الدم يفور في الجسد , وقالت : أتيت مهاجرة مع والدي من بلادا أخرى غير بلادكم , عشت فقيرة طوال عمري , أجبرني والدي أن أخرج من المدرسة وأنا صغيرة وأعمل في أحد المنازل التي كانت والدتهم تضربني بقسوة كل يوم لأن زوجها ينظر إلي , أنتقلت من مكانا لآخر , تزوجت وليتني لم أفعل! ظننت حياتي ستكون أفضل حالا , لكنها لم تزدد ألا سوء , حين أجلس مع الآخرين لاأحد يتحدث إلي , يقولون عني فتاة ساذجة لاتصلح لشيء ولاتفقه أبسط الأمور , أقرأ في أعينهم مالا أستطيع قوله , لقد سئمت نظرت الناس إلي , زوجي هو الآخر كان يعايرني بجهلي وفقري طوال الوقت , تركني الجميع وحيدة في هذه الضوضاء والمشاكل , ليست هذه الحياة التي حلمت أن أعيشها وأنا طفلة صغيرة حين كنت ألعب بدميتي التي أشتقت إليها وإلى حظنها ودفء حنينها , أردت الطمأنينة والسكينة وحتى هذه لم أجدها يوما , لقد أكتفيت جراحا من الجميع , أما آن لهذه الجروح أن تلتئم , أما آن لهذا الضجيج أن يهدأ الآن !
طأطأ المحقق رأسه بعدما سمع , راح يقاوم دموعه التي ذرفت من عينيه راغما همس بين ذاته قائلا (لا حول ولا قوة إلا بالله) , لملم شتات نفسه وسألها : أين عائلتك الآن ؟ أين أقرباء زوجك وأصدقاءه؟ لما لايساعدك أحد ؟ ألا يوجد من يستحي ؟ ألا يوجد من لديه غيرة ودم ؟ كيف يتركون أبنتهم تعاني هكذا ؟
ظلت (ليلى) على هدوءها وبكاءها تنظر إلى الأرض خجلة من واقعها المرير وكأنها لاتريد أن تراه , رفعت رأسها بعد دقائق ورددت : أنا أبنة لاأحد , أنا أبنة لاأحد .
خرجت من مقر الشرطة بحالتها ومعاناتها ورجعت إلى منزلها , وفور دخولها وكأن الألهام تلك اللحظة نزل عليها نعمة من السماء يكافئها على صبرها وبلاءها الذي ذاقته , أمسكت قلما وراحت تسرد قصة حياتها منذ طفولتها البريئة ومشاكلها مع والديها وزوجها وماحدث له في القرية وكل ماجرى لها , ظلت تكتب وتخلد مأساتها في الأوراق التي أمتلأت بدموعها بدل الحبر الذي بدأ يجف مما يخط على الورق , ورقة تلو ورقة كلمة بعد كلمة حروفا تتقطع ألما بين صفحات ذلك الكتاب الذي لم تتوقف فيها صرخاتها حتى أنهته وطوته بيديها التي ماطالت النعيم قط وأطلقت على الكتاب أسم : (أبنة لاأحد).
قدمت كتابها وأوجاع سنينها إلى أحدى دور النشر التي سارع مالكها في توقيع عقدا معها بمبلغا ضخما جدا لطبع الكتاب ونشره بعد أن قرأه وتأثر به ومابداخله بشدة , حقق الكتاب مبيعات خيالية فور نزوله المكتبات والمعارض , حطم كل الأرقام القياسية التي سجلت من قبل , ربحت (ليلى) على أثر ذلك جوائز أقليمية وعالمية عدة , وأصبح أسمها من أكثر الأسماء قوة وتأثيرا في البلاد .
- همسة على حال (ليلى): يحضرني قول الشاعر هنا (بدما ترى! أم بالدموع ملأت هذي المحبرة ,, كتبت ألما كي أعزي! أم رسمت على الدفاتر مقبرة)..
وكأن القدر أستجاب لها دعوتها حيث تقدم لخطبتها شابا يعمل مدرسا , وبعد أن تزوجت به راحت تندب حظها النحس الذي جمعها بشابا مغرورا جدا وعنيد , يفتعل مشاكل معها يعايرها دائما بجهلها لأنها لم تكمل دراستها , ويصفها بأنها فتاة ساذجة بلا فائدة ولاتهم المجتمع أو تأثر فيه بشيء , كما يفعل هو .
(ليلى) كانت تستقبل كلام زوجها كمن يدق مسامير في قلبا حي لم يمت , تشعر بألم لن يحس به حتى من جرب ذلك من قبل , ولكنها لاتقدر على فعل شيء ولاتعرف لمن تشتكي فأسرتها لم تصدق على التخلص منها , كانت كالمستجير من الرمضاء بالنار ففضلت الصمت ولغته التي لايفهمها ألا العظماء , لكنها ظلت مجروحة من الداخل وتبكي بلا دموع , فزوجها تعدى الحماقة حدا وراح يستهزء بها وبفقرها وحاجتها إليه ويسخر منها أمام أصدقاءه حين تكون جالسة معهم .
شاءت الأقدار التي لايعرف أحدا ماذا تخبئ له في الغد بأن ينتقل زوجها معها ليقوم بالتدريس في أحدى القرى البعيدة النائية التي عرف عن أهلها تعصبهم الشديد وكثرة مشاكلهم وقيمهم وعاداتهم المتطرفة حتى الشرطة لاتتدخل في أمورهم لشدة عنفوانهم فهم يطبقون القوانين بأيديهم .
زوجها كان المدرس الوحيد في هذه القرية الصغيرة كثرت مشاكله مع الطلاب وأولياء أمورهم لعناده وغروره وتعاليه حتى في أحد الأيام أعتدى على طالب بالضرب , وكأنه بذلك وقع وثيقة وفاته بيديه وتجرأ على فعل مايعتبر مقدسا في هذه القرية أن تضرب أحدهم , مما أغضب أهل القرية وجعلهم يجتمعون ويتهجمون عليه في المدرسة ويأخذونه إلى محلا منعزل ويضربونه ويعذبونه بأبشع الأساليب القذرة , ذاك يرميه بحجر وآخر يضربه بعصا وثالث يجرحه بسكين , فعلوا به أشياء لن يفعله أحدا في حيوانا ربي لذبحه حتى سقط مغشيا عليه وتركوه .
لم تكن (ليلى) تعرف بالذي جرى إذ مر يوم ولم يأتي زوجها مما حيرها وأشغل تفكيرها الذي لم يهنء يوما , لاتعرف ماذا تفعل ولمن تذهب فهي على دراية بسوء أهل القرية وكانت تخشى الخروج من منزلها , لحظات أنشغالها وخوفها تلك سمعت دق الجرس , فزعت أكثر فليس من عادة الزوج أن يدق الباب توجست خيفه لدقائق فتحت على أثرها , إذ به رجلا من أهل القرية بدى جليا على ملامحه الجود والشهامة فأخبرها بمكان زوجها وماحدث له وقبل أن يغادر قال لها : إذا كنت تريدني نصيحتي خذي زوجك وأرحلي من هنا , لامكان لكم في القرية فلن يدعوكم بسلام , سمعت (ليلى) صوت العقل والمنطق ونصيحة الرجل ذهبت بسرعة لتتدارك حالة زوجها وغادرت القرية معه وهو يعيش رمقه الأخير .
وصلت إلى المدينة أدخل الزوج إلى المستشفى وهي تقدمت بالشكوى للشرطة التي رفضت شكواها بحجة أن لادليل لديها ومايثبت صحة أقولها , ألتزمت (ليلى) الصمت كعادتها فهي وحيدة بلا سند , خرج زوجها من المستشفى بعد أن شفي ولكن ماذا! حالته النفسية سيئة جدا لايتكلم لايأكل لاينظر يمينا أو شمالا لايفعل شيء وكأن تأثير المخدر لم يزل من جسده .
مرت أربعة أشهر و(ليلى) تعاني الأمرين فقرا مدقع وزوجا مريض فلم تتحسن حالته بل أزدادت سواء لايخرج من المنزل بلا عمل أو مال وكأن لعنة ما أصابته هو الآخر وقلبت حياته رأسا على عقب , فقط كان ينظر إليها بين الفينة والأخرى ويردد : لقد دمروني هناك ياأمرأة , لقد دمروني هناك ياأمرأة .
الأيام تمر على (ليلى) وهي تعيش وسط الجحيم بل أسوء منه لأنها لاتعرف أحدا يساعدها أو على الأقل يعطيها مالا لتشتري لنفسها وزوجها طعام لتأكل , وكأن الحياة تصفعها بيمينها وشمالها دون سبب وعلى لسان حالها تقول : (قل لي أيها الشاكي لمن المشتكى ومن عنده المشتكى)! وبعد أن تقطعت بها السبل وأغلقت جميع الأبواب التي لم تفتح لها أصلا , ذهبت إلى الشرطة مرة أخرى عل وعسى تسترد حق زوجها الذي أنتهك , قال لها المحقق في المكتب : سأخبرك بالحقيقة , لدينا تعليمات عليا بألا نتدخل في أمور هذه القرية لذلك رفضت قضية زوجك , قالت له : إذا ما الحل , تدمرت حياة زوجي وأصبح كالميت الحي , لن أجلس مكتوفة الأيدي وأشاهده هكذا , يجب أن يعرف أحدا بالذي جرى , قال لها : صدقيني لن تستطيعين فعل شيء , فأنا المطلع على هذه الأمور , عودي إلى بيتك وأنسي ذلك .
همت (ليلى) بالخروج بخطوات متعثرة مثقلة بالهموم والأحزان التي تكالبت عليها إلى أن وصلت حتى الباب وتوقفت , راحت تبكي وتبكي بهدوء شديد وشريط حياتها يمر أمام عينيها بكل قسوته أرادت أن تصرخ بقوة ألا أنها لم تفعل , أثار ذلك تعاطف المحقق معها فسمعها تهمس بكلمات هزت وجدانه قائلة : فليشفق علي أحد .
تحامل على نفسه وسألها في خجل : هل تحتاجين للمال سأعطيك , هل ضايقك أحد سأزج به في السجن , لكنني لاأستطيع أن أفعل شيئا لزوجك , غير ذلك لك ماتريدين ؟
ظلت (ليلى) على سمفوانية بكاءها وتأثرها تعاتب زمانها وعائلتها وزوجها والعالم أجمع لم فعلوه بها , في لحظات سكونها الأليمة تلك أستدارت عليه وكأنها تعزف ألحانا وأوتارا تجعل الدم يفور في الجسد , وقالت : أتيت مهاجرة مع والدي من بلادا أخرى غير بلادكم , عشت فقيرة طوال عمري , أجبرني والدي أن أخرج من المدرسة وأنا صغيرة وأعمل في أحد المنازل التي كانت والدتهم تضربني بقسوة كل يوم لأن زوجها ينظر إلي , أنتقلت من مكانا لآخر , تزوجت وليتني لم أفعل! ظننت حياتي ستكون أفضل حالا , لكنها لم تزدد ألا سوء , حين أجلس مع الآخرين لاأحد يتحدث إلي , يقولون عني فتاة ساذجة لاتصلح لشيء ولاتفقه أبسط الأمور , أقرأ في أعينهم مالا أستطيع قوله , لقد سئمت نظرت الناس إلي , زوجي هو الآخر كان يعايرني بجهلي وفقري طوال الوقت , تركني الجميع وحيدة في هذه الضوضاء والمشاكل , ليست هذه الحياة التي حلمت أن أعيشها وأنا طفلة صغيرة حين كنت ألعب بدميتي التي أشتقت إليها وإلى حظنها ودفء حنينها , أردت الطمأنينة والسكينة وحتى هذه لم أجدها يوما , لقد أكتفيت جراحا من الجميع , أما آن لهذه الجروح أن تلتئم , أما آن لهذا الضجيج أن يهدأ الآن !
طأطأ المحقق رأسه بعدما سمع , راح يقاوم دموعه التي ذرفت من عينيه راغما همس بين ذاته قائلا (لا حول ولا قوة إلا بالله) , لملم شتات نفسه وسألها : أين عائلتك الآن ؟ أين أقرباء زوجك وأصدقاءه؟ لما لايساعدك أحد ؟ ألا يوجد من يستحي ؟ ألا يوجد من لديه غيرة ودم ؟ كيف يتركون أبنتهم تعاني هكذا ؟
ظلت (ليلى) على هدوءها وبكاءها تنظر إلى الأرض خجلة من واقعها المرير وكأنها لاتريد أن تراه , رفعت رأسها بعد دقائق ورددت : أنا أبنة لاأحد , أنا أبنة لاأحد .
خرجت من مقر الشرطة بحالتها ومعاناتها ورجعت إلى منزلها , وفور دخولها وكأن الألهام تلك اللحظة نزل عليها نعمة من السماء يكافئها على صبرها وبلاءها الذي ذاقته , أمسكت قلما وراحت تسرد قصة حياتها منذ طفولتها البريئة ومشاكلها مع والديها وزوجها وماحدث له في القرية وكل ماجرى لها , ظلت تكتب وتخلد مأساتها في الأوراق التي أمتلأت بدموعها بدل الحبر الذي بدأ يجف مما يخط على الورق , ورقة تلو ورقة كلمة بعد كلمة حروفا تتقطع ألما بين صفحات ذلك الكتاب الذي لم تتوقف فيها صرخاتها حتى أنهته وطوته بيديها التي ماطالت النعيم قط وأطلقت على الكتاب أسم : (أبنة لاأحد).
قدمت كتابها وأوجاع سنينها إلى أحدى دور النشر التي سارع مالكها في توقيع عقدا معها بمبلغا ضخما جدا لطبع الكتاب ونشره بعد أن قرأه وتأثر به ومابداخله بشدة , حقق الكتاب مبيعات خيالية فور نزوله المكتبات والمعارض , حطم كل الأرقام القياسية التي سجلت من قبل , ربحت (ليلى) على أثر ذلك جوائز أقليمية وعالمية عدة , وأصبح أسمها من أكثر الأسماء قوة وتأثيرا في البلاد .
- همسة على حال (ليلى): يحضرني قول الشاعر هنا (بدما ترى! أم بالدموع ملأت هذي المحبرة ,, كتبت ألما كي أعزي! أم رسمت على الدفاتر مقبرة)..