الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد :
فلكل شيء في الإسلام آداب ، والطريق شيء ، فله آداب ، وهذا يدل دلالة قاطعة على عظمة دين الإسلام ، وشموله ، ورعايته مصالح الناس ، فيأمر بما فيه المصلحة أينما كانت ومتى كانت ، وينهي عن المفاسد أينما حلت ، ومتى وقعت .
ولصاحب العقل أن يتأمل هل عرفت مناهج البشر حقوقًا وآدابًا للطريق ؟ وهب أن البشرية عرفت بعض الحقوق ، فهل ترقى إلى ما قرره الإسلام من حقوق وآداب هي قربة لله تعالى ، وفيها رعاية للحياة العامة والخاصة لمن يسلك الطريق ؟
حقًا إنه لفخر لكل مسلم أن يقول : أنا مسلم ، فنِعِمَّ هذا الدين الذي جعل لكل شيء حقوقًا وآدابًا ؛ والحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة .
لقد جاءنا الإسلام بحقوق وآداب تتعلق بحد الطريق ، وإشغالات الطريق ، وآداب الطريق ؛ وبيَّن علماء الإسلام ما يتعلق بأحكام هذه الأمور وأحكام الاعتداء على تلك الحقوق والآداب .
وسأحاول في هذه الرسالة أن أوقف القارئ على تلكم الآداب في المحاور الآتية :
المراد بآداب الطريق .
حد الطريق .
الطريق يشترك فيه الناس إلا ما كان ملكا خاصًّا .
مجموع آداب الطريق .
إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان
غَضُّ الْبَصَرِ
كَفُّ الأَذَى
رَدُّ السَّلاَمِ
إفشاء السَّلاَمِ
الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ
تشميت العاطس إذا حمد الله
إدلال السائل - إرشاد السبيل
هداية الأعمى
حسن الكلام
إغاثة الملهوف .
هداية الضال ( الحيران ) .
إعانة المظلوم .
المعاونة في الحمل
حسن الكلام
ذكر الله كثيرًا
آداب الطريق وقواعد وضوابط المرور .
هذا ، والله أسأل أن ينفع بها كاتبها وناشرها وقارئها والدال عليها ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، لا رب غيره ولا أرجو إلا خيره ، عليه توكلت وإليه أنيب .
المراد بآداب الطريق
نقصد بآداب الطريق الأمور التي يجب على من يسلك طريقًا أو يجلس فيها أو يقف عند شيء منها ، أو يكون ساكنًا بعقار فيها أن يراعيها ؛ وأصل ذلك ما في الصحيحين من حديث أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ " ؛ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ " ؛ قَالُوا : وَمَا حَقُّهُ ؟ قَالَ : " غَضُّ الْبَصَرِ ، وَكَفُّ الأَذَى ، وَرَدُّ السَّلاَمِ ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ " ( 1 ) .
ولهذا الحديث شواهد فيها إضافات سنذكرها إن شاء الله تعالى في موضعها .
حد الطريق
في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَضَى النَّبِيُّ إِذَا تَشَاجَرُوا فِي الطَّرِيقِ بِسَبْعَةِ أَذْرُعٍ ( 2 ) ، ورواه الترمذي وابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " اجْعَلُوا الطَّرِيقَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ " ( 3 ) ، أي : إذا اختلفتم فيها ؛ أي : إذا كان الأرض لقوم وأرادوا إحياءها وعمارتها فإن اتفقوا في الطريق على شيء فذاك ؛ وإلا فيجعل عرض طريقهم سبعة أذرع ؛ لدخول الأحمال والأثقال وخروجها ؛ وفي هذا مراعاة لمصالح الناس ، وحتى لا يضر بالمارة عليها ؛ وأما ما اتفق عليه من حد الطريق ولم يكن فيه تنازع فيبقى على ما اتفق عليه زاد أو نقص عن سبعة أذرع .